القائمة الرئيسية

الصفحات

  • الأسماء غير حقيقية، وتم العناية قدر الإمكان أن يكون السرد أدبيًا دون الإخلال بالفائدة القانونية. 

 انتصار بطعم الهزيمة


 

انزوى سالم في ركن قفص الاتهام، شارد العينين زائغ النظرات يتجنب النظر في وجوه الجميع..

وضع رأسه المثقل بين يديه، مسترجعا ما حدث وما كان.. نعم، قتل زوجته طعنا إثر مشادة حدثت بينهما، وبعد تراكم المشكلات ويأسه من وضع حد لها.

كان كأي رجل شرقي يريد أن يؤمر فيطاع، يتباهى أبو الوليد صديقه في العمل بأنه ينتصر دائما على زوجته في كل نقاش أو مشكلة، إما بالعقل والمنطق وإما بالقوة.. ولأن سالم أراد بشدة هذا الانتصار فقد حققه، لكن ..

هناك انتصارات لا تدعو للفخر .. انتصارات بطعم الهزيمة..

تطاولت عليه وطلبت الطلاق فطعنها أمام ابنتهما الصغيرة، وها هو الآن ينتظر تحديد مصيره، ما بين القصاص العادل والدية .. أمران أحلاهما أمر من صاحبه..

بدأت الجلسة، وجرى توجيه الاتهام من الادعاء العام للمدعي عليه بقتل زوجته عمدا وعدوانا بضربها بساطور، وطلب إثبات ما أسند إليه وطالب بتشديد العقوبة عليه ولو بقتله تعزيرا نظرا لبشاعة جرمه ..

ازدرد سالم ريقه وشعر بطعم العلقم في فمه، وهو يتابع مجريات الجلسة بنظرات مضطربة زائغة..

حين طلب القاضي سماع أقوال سالم، اعترف بأنه قتل زوجته بسبب تفشي المشكلات بينهما وفشله في وضع حد لها، وأنه ضربها ضربة واحدة فقط بعد أن ذهبت إلى المطبخ وأحضرت، ثم ضربته في يده اليمنى،  فضربها بالساطور ضربة واحدة فقط على رقبتها من الجهة اليمنى دفاعا عن نفسه، فسقطت على الأرض والدم ينزف من رقبتها، ثم أخذ ابنته وذهب بها لأخته.

طلب المدعي العام الاطلاع على تقرير الطب الشرعي، الذي أظهر إصابتها عدة إصابات بآلة حادة وأنها سبب الوفاة، سأل القاضي سالم وواجهه بتقرير الطب الشرعي فأنكر وأصر على أنه ضربها ضربة واحدة فقط.

جرى الاطلاع على اعترافه وإقراره المصدق شرعا، كما طالب المدعي العام بالاطلاع على التقرير الفني لتمثيل الجريمة؛ فثبت أنهما موافقان لكلام المدعي العام، حيث جاء فيهما أن المدعي عليه تشاجر مع زوجته وطعنها عدة طعنات أدت لوفاتها أمام ابنتهما..

طالب الإدعاء بتوقيع أقصى عقوبة على المتهم، لأنه قتل زوجته عمدا وعدوانا أمام ابنته، ولبشاعة جرمه ولأن المرأة ضعيفة تحتاج من يحميها، وهي امرأته تحت فراشه ولا مغيث لها غيره، وقد رفض أهل المجني عليها الدية؛ فلا بد من القصاص والحكم بقتل المدعى عليه تعزيرا، وذلك بضرب عنقه بالسيف حتى الموت..

خارت قوى سالم وتهاوى على الأرض، ورقة أخيرة إذا استعملها الدفاع الخاص به وفشلت فستكون نهايته ..

تقدم الدفاع الخاص بالمدعى عليه بقرار صادر من محكمة الاستئناف، بصرف النظر عن الدعوى الخاصة بقتله قصاصا لوجود بنت له من زوجته المجني عليها، والحكم بتعزيره بالسجن لمدة عشرين عاما، وجلده ألفي جلده..

رفعت الجلسة للاستراحة وزفر سالم وهو يواجه الحائط متجنبا نظرات الجميع.. إنه ينتظر حكما بالموت، أو بسجن طويل مغلف بالألم على أحسن الأحوال..لم يعد هناك ما يمكن فعله، فليواجه مصيره بهدوء..

افتتحت الجلسة وراجع القاضي حيثيات القضية، مختتما حديثه بتوجيه الاتهام للمدعي عليه بقتل زوجته ظلما وعدوانا بساطور لحم وذلك للأدلة والقرائن التالية :

أولا : اعتراف الجاني وإقراره.

ثانيا : تقرير الطب الشرعي.

ثالثا : التقرير الفني المصور والمرئي لتمثيل جريمة القتل من قبل المتهم.

رابعا : بالبحث عن سوابق المدعي عليه عثر له على سابقة ضرب أحد الأشخاص بآلة حادة.

خامسا : رفض أولياء الدم الصلح أو قبول الدية.

وحيــث إن مــا أقــدم عليــه المدعى عليــه وهــو بكامــل أهليتــه المعتبرة شــرعا فعــل محـرم ومعاقـب عليـه شـرعا طالب المدعي العام إثبـات صفـة القتـل والحكم عليـه بالقتل قصاصا لبشـاعة مـا أقـدم عليـه مـن قتـل زوجتـه بهـذه الطريقـة وبحضـور ابنتهمـا الصغيـرة ومشــاهدتها لما حــدث والتــي لا يقــدم عليهــا إلا مــن نزعــت الرحمة مــن قلبــه وليكـون عبـرة لغيـره مـن المعتدين علـى محارمهـم اللاتي يأمـن علـى أرواحهـن مـن أزواجهـن.

ولجميع ما سـبق فقد حكم القاضي بالموافقة على الحكم وقتـل المدعى عليـه تعزيـرا وذلـك بضـرب عنقـه بالسـيف حتـى الموت..

انهمرت الدموع بغزارة على وجه سالم بعد النطق بالحكم، حتى بللت وجهه وشفتيه.. كانت دموعا بطعم الندم، وبطعم الهزيمة

                                                                  تمت
بقلم / شيماء محمود ابراهيم

للاطلاع على صك الحكم محل القصة اضغط هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. إذا كانت الجاني حكم عليه بالقتل فأين الانتصار هنا الذي بطعم الهزيمة

    ردحذف

إرسال تعليق